الإفراط في القتل والتدمير سلوك همجي معروف في الإيديولوجية الصهيونية وفي عقيدة جيش الإحتلال الذي يستمدّ تعاليمه من التلمود واليهودية الحاخامية. وليس خافياً على أحد، ما تقوم به دولة الكيان الإسرائيلي من اقتراف مختلف أشكال جرائم الحرب

في وقت يدّعي فيه المجتمع الدولي أن من أهدافه حفظ الأمن والسلم الدوليين، وإذ تبيّن أن هذا المجتمع يمارس أقصى درجات التغاضي وصرف النظر عن جرائم الإسرائيليين في فلسطين المحتلة وهو ما يعكس وصمة النفاق السياسي وازدواجية المعايير في المنظومة الدولية.

حرب الحديد والنّار وسياسة الأرض المحروقة.

لم تتوقف دولة الإحتلال الإسرائيلي عن ممارسة القتل الجماعي المفرط باستخدام شتى السبل، إذ لا يكاد يمرّ يوم من دون أن يشهد العالم مجزرة جديدة ترتكبها عصابات الجيش الصهيوني الإرهابي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، في عمليات أشبه ما تكون بحرب إبادة جماعية مبرمجة، الغرض منها إفناء جموع من هذا الشعب الأعزل.. وتحدث هذه الإقترافات المشينة على مرأى ومسمع البشرية بل وبمباركة أمريكية وأطراف أخرى موالية للكيان الصهيوني.

وإنّ ما من متابع في هذا العالم إلّا ويُدرك ماهية وطبيعة المجازر الصهيونية التي تتسم بالترويع والإفراط في القتل والتنكيل، وهي بلا شك جرائم ضد الإنسانية تُقترف ضمن أتون حرب تستهدف البشر والشجر والحجر؛ فبالإضافة إلى الإستخدام المكثف لمختلف الآليات القتالية والهندسية كالمدرعات والجرّافات للتوغّل في القطاع، يواصل جيش الإحتلال الصهيوني قصف الأحياء السكنية بالعديد من أنواع الذخائر ذات الصنع المحلّي أو الأمريكي؛ مستخدمًا القنابل الجوية الثقيلة والقوة الصاروخية وقذائف المدفعية، لإحداث أكبر قدر من التدمير للأحياء المأهولة وإسقاط مبانيها فوق رؤوس ساكنيها. ونتيجةً لذلك، وبحسب آخر تقارير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تجاوزت الخسائر البشرية، خلال إثنين وعشرين شهرًا جرّاء هذه الحرب المتواصلة، الـ(62) ألف شهيد، من ضمنهم شهداء الأطقم الطبية والدفاع المدني، والكوادر التعليمية والصحفيين وموظفي الأونوروا.. هذا بالإضافة إلى عدد (156) ألف مصاب أغلبهم من النساء والأطفال، مع مئات الآلاف من النازحين والمشرّدين، ناهيك عن المفقودين الذين تجاوز عددهم الأحد عشر ألفًا، ما زالوا تحت الرّكام. وليس هذا فحسب فقد لجأ العدو إلى تنفيذ استراتيجية الأرض المحروقة، فقام باستهداف البنية التحتية داخل القطاع بشكل كلّي فدمّر وأحرق المدارس والمستشفيات والمساجد والمؤسسات الحكومية وسائر المرافق، ناهيك عن تعطيل شبه كلّي لمقومات الحياة اليومية في القطاع المنكوب.

حرب التجويع.

تُعرف هذه الحرب بأنها عبارة عن إستراتيجية تستخدم في النزاعات المسلحة كشكل من أشكال الضغط السياسي والعسكري، وتترتّب عنها أوضاع إنسانية عصيبة، غايتها قهر المجتمعات وإجبارها على الخنوع والإستسلام، وتتمّ من خلال حرمان السكان من الغذاء والمياه والموارد المعيشية الأساسية.

ومن هذا المنطلق قام الصهاينة بتصعيد وتيرة حرب التجويع لما لها من آثار مدمّرة، وذلك إمعانًا في إحداث المزيد من التداعيات المميتة بالموازاة مع حرب الحديد والنار، حيث عمدت دولة الإحتلال، حتى عهد قريب، إلى تأجيج الأزمة الغذائية للسكان المدنيين من خلال منع دخول المساعدات الإنسانية والغذاء ومياه الشرب والأدوية إلى قطاع غزة.

وفي ذات السياق لم تكتف دولة الإحتلال بذلك بعد عمدت، في وقت سابق، إلى حظر عمل "الأونروا" وهي وكالة الأمم المتحدة الرئيسية التي تقدم خدمات إنسانية للفلسطينيين، الأمر الذي حال دون قدرة هذه الوكالة الأممية على مزاولة أنشطتها في غزة والضفة الغربية المحتلّة.

ولا مناص من القول أن استخدام سلاح التجويع يسبّب عواقب إنسانية كارثية، حيث يُحرم السكان من الغذاء والمياه والموارد الأساسية، مما يؤدي إلى المجاعة وسوء التغذية، وخاصة بين الأطفال وكبار السن، كما يُفضي هذا التّعسّف المشين إلى انتشار الأمراض بسبب ضعف المناعة وغياب الرعاية الصحية.

قواسم مشتركة بين حرب التجويع والحرب البيولوجية

إذا نظرنا في حرب التجويع كوسيلة من مسبّبات المرض، سنجد بعض القواسم المشتركة بينها وبين الحرب البيولوجية، حيث يُستخدم كلاهما كأدوات للضغط والسيطرة على المجتمعات المستهدفة، مما يؤدي إلى معاناة إنسانية جسيمة. ونورد أدناه باختصار بعض الجوانب المشتركة بينهما:

  • إستهداف الأهالي :كلا النوعين من الحروب يؤثران بشكل مباشر على السكان المدنيين، حيث يتم حرمانهم من الموارد الأساسية أو تعريضهم لأمراض مميتة.
  • التأثير على الصحة العامة: حرب التجويع تؤدي إلى سوء التغذية والأمراض المرتبطة بنقص الغذاء والدواء، بينما الحرب البيولوجية تستعمل مسببات الأمراض لنشر الأوبئة. وكلاهما يُستخدمان بهدف إحداث وفيات واسعة النطاق وقتل جماعي لأعداد هائلة من السكان المدنيين.
  • الإنتهاكات القانونية: كلاهما يُعتبر جريمة حرب وفقًا للقانون الدولي، حيث يتم استهداف المدنيين بشكل غير إنساني.

وعلى الرغم من وضوح القوانين الدولية التي تجرّم هذه الممارسات الشنيعة، فإن آليات المحاسبة والمساءلة تبقى محدودة، بل أن تطبيقها لا يعدو أن يكون حبرًا على ورق وأملًا بعيد المنال إذا تعلّق الأمر بالكيان الصهيوني.

 

Star InactiveStar InactiveStar InactiveStar InactiveStar Inactive